الأحد، ١٩ ديسمبر ٢٠١٠

مؤتمرالحوارالوطنى إلى أين فى ظل صراع الفكر السياسي الأرترى(2) ؟


بقلم أحمد نقاش

تحدثت فى الحلقة السابقة الى ان وصلت بي السطور الى تقسيم خطوط الفكر السياسي الار ترى الى ثلاثة مشارب واضحة المعالم  تتجدد الى يومنا هذا فى اشكال مختلفة وتحت مسميات متنوعة وهذه الخطوط هي :

-         الفكر السياسي الاقصائى
-         الفكر السياسي الحقوقي
-         الفكر السياسي الوفاقي

صحيح قد  تكون مثل هذه  التقسيمات والاصطلاحات جديدة فى قاموس مفردات السياسة الاريترية وقد لا تكون مطابقة للمواصفات العالمية فى مفهومه الاكاديمى،بما ان كل فعلى بشرى لا يخلو من التفكير وبذات فى الفعل السياسي،جاز لنا ان نستنبط هذه التقسيمات من ساحة السياسة الار ترى الممارسة من الناحية العملية ،مثل عالم اللغة الذى يستنبط  قواعد النحو من اللغة المتداولة ذاتها. خاصة اذا  وضعنا فى الاعتبار ان بعض النخب السياسية فى اريتريا اجبن من ان تزيل الاقنعة عن وجهها.
عند بدأ الحراك السياسي الاريترى فى اربعينيات القرن الماضي فى ظل احتلال البريطاني ظهرت على السطح  كثير من الاحزاب السياسية  ابرز هذه الاحزاب هي :
1-    حزب الوحدة مع أثيوبيا {اندنت} والنخب السياسية لهذا الحزب  كانت فى معظمها من {المسيحين التقرينية} وكانت  تمثل قمة الفكر السياسي لاقصائ فى تلك المرحلة ،وافكار هؤلاء كانت تتمحور فى الاستحواز على مقاليد السلطة وأقصاء كل الثقافات والتنوع من اجل سيادة ثقافة واحدة ولغة واحدة فى بلد متعدد الاعراق والثقافات وعند ما علموا استحالت تحقيق هذه الاهداف بمفردهم اتخذوا سياسة ضم اريتريا الى اثيوبيا بعد ان وعدتهم هذه الاخيرة بتمكينهم من مقاليد السلطة فى الاقليم الارترى،ومن اهم وسائل اقناع الشعب من اجل تحقيق الوحدة كانت العزف على المشاعر القومية والدينية،وتخويفهم من إخوانهم فى الوطن.بل مارسوا الارهاب المنظم ضد كل من ينادى تحقيق الاخوة الوطنية والاستقلال.

2-    حزب الرابطة الاسلامية  والنخب السياسية لهذا الحزب كانت تمثل الفكر السياسي الحقوقى،بمعنى كانت تطالب بحقها فى الوطن والحياة دون اقصاء احد لذا كانت تتمحور مطالبها فى تحقيق الاستقلال الكامل لارتريا، وجل نخبها السياسية كانت من ابناء المسلمين فى عموم البلاد فى المنخفضات والمرتفعات على حد سواء،ومن ابرز وسائلها كانت تخويف اتباعها من ان الانضمام الى اثيوبيا سيجعل منهم رعايا بلا حقوق تذكر قياسا على اوضاع المسلمين فى اثيوبيا الامبراطورية فى تلك المرحلة،فضلا عن المميزات التاريخية والثقافية  لاريتريا عن اثيوبيا.


3-    حزب التقدميون الاحرار ،ومعظم نخبه السياسية كانت تتكون من ابناء {المسيحين التقرينية} على وجه التحديد من اقليم { اكلي قوزاى }وهذه النخبة كانت تمثل الفكر السياسي الوفاقي بإعتبار انها كانت  ترفض الانضمام الى اثيوبيا الامهرية وبالتالي كانت تفضل الاستقلال فى ظل الوفاق ما  بين طرفي الوطن الاريتري.ومن ابرز وسائلهم كانت العزف على المشاعر الاقليمية  الا ان المشاعر الدينية وتهديد الحرمان من الطقوس الدينية التي اجاد استخدامها حزب الوحدة عبر {الاب مارقوص}اخذت منهم الكثير من اتباعهم،وهذا  الحزب شكل فيما بعد مع الرابطة الاسلامية ما عرف فى التاريخ الارترى {حزب الكتلة الاستقلالية}

هذا الخط الثلاثي  هو الذى يسود الى الان فى صراع الفكر السياسي الارترى مهما اختلفت المسميات والالوان،وبتالى يمكن ان نعتبر هذه الخطوط معيار ومقياس للمشهد السياسي الارترى.
 قبل تأسيس الكفاح المسلحة من عام 1961 اصحاب الفكر الحقوقي والفكر الوفاقي كانوا يتشاورون  فى عاصمة الكنانة {القاهرة} امثال الشيخ ابراهيم سلطان وادريس محمد ادام وعثمان صالح سبي ولدأب ولد ماريام وغيرهم فى كيفية تأسيس الكفاح المسلحة لاستعادة الحقوق الوطنية.
وفى نفس المرحلة قام اصحاب الفكر الاقصائى فى العاصمة الاثيوبيا بتنظيم انفسهم فيما عرف بخلية {أديس أبابا } على رأس هذه المجموعة السيد {اسياس افورقى} وأهم تطور الذى احدثته هذه المجموعة هو محاولة تنظر للفكر السياسي الاقصائى على شكل كتيب صغير تحت عنوان { نحن وأهدافنا}.
بعد بدع سنين من  انفجار الثورة الاريترية التقيا كل من  مجموعة القاهرة التي كان لها الدور الكبير فى تأسيس الكفاح المسلحة ومجموعة خلية اديس فى رحاب النضال الوطني ولكن لكل  منهم مشاربه وخلفياته فى التوجه السياسي فضلا عن نقاط القوة والضعف لكل منهما :
مجموعة القاهرة كان لها تأثير مباشر على معظم المناضلين فى الساحة النضالية فى تلك المرحلة لاسباب اقليمية واجتماعية وهذه كانت  من اهم نقاط القوة لديها،ونقاط الضعف لهذه المجموعة بدأت بالممارسة العملية للفعل السياسي قبل ان تضع له أسس  نظرية تسترشد بها فى عملها اليومي ونظرتها لمستقبل البلاد والعباد فى عملية اشبه ما تكون بوضع العربة أمام الحصان،فضلا عن الخلافات المبكرة التي دبت فى نخبها السياسية.
مجموعة خلية أديس كان تأثيرها معدوم على القوة المسلحة وهذه كانت نقطة الضعف التي كانت  تعانى منها،اما نقاط القوة لهذه المجموعة كانت  تتمثل فى تحديد رؤيتها وأهدافها التي تريد تحقيقها فضلا عن انها تعرفت على التناقضات الاجتماعية والثانوية التي استخدمتها بشكل بارع لتشتيت وحدة اصحاب الفكر الحقوقي وبتالى خلية اديس   استطاعت ان تضع الحصان امام العربة اي محاولة تنظر   قبل العمل { كتيب نحن واهدافنا } كان يعتبر بنسبة لها بمثابة خريطة الطريق. ومن يضع الخريطة يصل الى الهدف حتى لو كان الهدف غير نبيل.
هكذا مثلت {الجبهة الشعبية لتحرير اريترية } فى فترة الكفاح المسلحة قمة الفكر الاقصائى بجدارة وكانت خير خلف لشر سلف .
وجبهة التحرير الاريترية بمختلف فصائلها المتناثرة كانت تمثل لفترة طويل الفكر السياسي الحقوقي والوفاقي معا الا ان جبهة التحرير الاريترية كل ما تعرضت لضعف جسدي انعكس ذلك الى الضعف الفكرى،وكل ما قوى الفكر الاقصائى ضعف اصحاب الفكر الحقوقي وكل ما ضعف اصحاب الفكر الحقوقي احتار اصحاب الفكر الوفاقي منهم من ثبت فى فكره الوفاقي ومنهم من شد الرحال الى اصحاب الفكر لاقصائ.وخاصة بعد خروج جيش التحرير الارترى من الساحة الارترية،واصبحت السيطرة بالكامل فى اريتريا لخلية اديس واصحاب الفكر الاقصائى الى ان حقق  الشعب الارترى تحرير ترابه الوطني بالكامل.
هكذا مثلت مرحلة ما بعد الاستقلال، العصر الذهبي لكل اصحاب الفكر الاقصائى ومن معهم من كمبارس من المسميات المحمودة والمعبودة،وبدأ ينطلق صاروخ العصر الذهبي بسرعة خيالية الى ان اصطدم بمثلث بادمي الحدودي لان كتلوج نحن واهدافنا لم يستطيع التحكم فى صاروخ العصر الذهبي المتطور.
هكذا كل ما وصل الفكر الاقصائى ذروته من نشوة السلطة والتجبر بدأت تبد شروره وعيوبه الفاضحة مما  كان احد الاسباب التي ادت الى صراع داخل الحزب الحاكم على المستوى السياسي والاجتماعي والاقليمى،وكل هذه المكونات شعرت وتأكدت بأن ربان السفينة يقودها الى طريق مجهول،من هنا حدث زلزال داخل الفكر القومي الاقصائى المتشدد مما انعكس كل ذلك الى تغير المواقع والاماكن،اما الهزات الارتدادية احدثت كذلك تغير المواقع داخل مدرسة جبهة التحرير الاريترية .
ايام قعقعت السلاح فى الساحة الاريترية لم يفكر الكثير من النخب السياسية الاريترية بالهدوء والعقلانية لمستقبل البلاد لان العدو الظاهر كان واحد الا وهو العدو الاثيوبى،وعندما تحقق حلم الشعب بتحرير البلاد لم يرى احد بإعوجاج فكر النظام الحاكم الا من رحم ربه،اما بطانة السوء من اصحاب الفكر الاقصائى لم يدركوا خطورة الرجل على فكرهم  الاقصائى وهم فى قمة السكر من  نشوة الانتصار،الا ان الوقت كان كفيل لازالت العمى عن الابصار شيئا فشيئا وحرب بادمي ازالت العمى عن  كل شيئ حتى عن  البصيرة،من هنا بدأ العدد التنازلي للنظام ومن  بنى معه هذا الصرح الاقصائى ،وبتالى تخلى الكثير من اصحاب الفكر لاقصائ فى الداخل والخارج عن النظام الحاكم فى أسمرا وهؤلاء يمكن تقسمهم الى عدد من  مجموعات:
-         مجموع إرتأت ان تهور النظام يهدد المشروع القومي برمته وبتالى يجب اعادت ترتيب الاوراق من خارج النظام للحيلولة دون انهيار المشروع القومي الاقصائى والمكتسبات التي تحققت مع انهيار النظام وزواله الذى اصبح شر لابد  منه من هنا تطرح هذه المجموعة وفروعها  { فلسفة التغير السلمي} ليس حبا للحل السلمي فى حد ذاته،لكن خوفا من ان يؤدى الحراك المسلحة من اعادة توازن القوى لصالح اصحاب الفكر الحقوقي .
-         مجموعة ادركت ان الفكر الاقصائى الذى كانوا جزءا منه يهدد مستقبل الوطن  بشكل شامل وبتالى منهم من تحول الى الفكر الوفاقي ومنهم من اعتزل العمل السياسي.
-         مجموعة  كان دورها فى الفلم دور الكمبارس من اجل الديكور الوطني وادركوا ذلك وبتالى ارادوا اعادت الكرامة الى انفسهم بالخروج  من هذا الدور الذى اضل الكثير من مجتمعاتهم وفيئتاهم الاجتماعية والاقليمية  لعقود من الزمان.
-         مجموعة انتهازية مصلحية تتحكم فى حركتها المصلحة الذاتية منهم من نشأ مع النظام الحاكم ومنهم من التحق اليه قبل وبعد الاستقلال تحت حجج واهية واغلبهم من اسماء مسلمة عند  ما فقدوا مصالحهم او خافوا على حياتهم هربوا من النظام وان كان اغلبهم مازال  يدور حول حمى  التنظيمات الاقصائية المحسوبة على قوى المعارضة الاريترية ظنا منهم ان هذه التنظيمات هي البديل القادم.

وجملة القول الان هناك سيناريوهات ثلاث فى مستقبل المشهد السياسي الارترى وهى :
1-    استمرار الوضع على ما هو عليه هذا ما يطمح اليه النظام الحاكم فى اسمرا
2-    تغير شكلي من خلال مشاركة بعض التنظيمات الاقصائية فى قوى المعارضة الاريترية فى نظام الحكم فى اسمرا بعد اجراء انتخابات شكلية يتم الاتفاق حولها ويتوقع بعض المحللين فى الشأن الارترى ان يبدا هذا السيناريو فى اواخر 2011 كنتيجة للمساعي السرية التي تقوم بها بعض الدوائر الخارجية وشروط نجاح  هذا السيناريو هو :
-         تغير السياسة الخارجية للنظام الحاكم فى اسمرا .
-         عدم تهديد مصالح قوى الكبرى فى المنطقة.
-         تحقيق السلام مع أثيوبيا.
والعمود الفقري للنجاح هذا المخطط ان تقتنع  اثيوبيا بمثل هذه الحلول الترقيعية التي يسعى لتحقيقيها اصحاب الفكر الاقصائى فى الخارج  بتنسيق مع النظام الحاكم فى اسمرا تحت رعاية بعض الدوائر الدولية ذات طابع مؤسسات مجتمع مدنى،ومؤتمر لندن للسلام الذى عقدته بعض المجموعات الاريترية فى شهر مايو المنصرم بدعم سخى من هذه الدوائر ليس ببعيد عن مثل هذه المشاريع.الا ان الموقف الاثيوبي الى الان يعتبر من المؤيدين والداعمين الاساسين لانعقاد ملتقى الحوار الوطني الارترى للتغير الديمقراطى،لعل هذا ما يزعج مخططات اصحاب الفكر الاقصائى ،فى الوقت الذى يجعل اصحاب الفكر الحقوقي والوفاقي امام مسؤولية تاريخية لانجاح هذا الملتقى للحيلولة دون انتكاس  التغير الديمقراطي الشامل فى اريتريا  الذى يلوح فى الافق،اما اذا فشل هذا الملتقى لا قدر الله ان دول الجوار الداعمة لهم قد تضطر لقبول السيناريو  الاخر الذ يسعى له اصحاب الفكر الاقصائى، لان العمل السياسي فى النهاية فن تحقيق الممكن.

3-    التغير الشامل  اي ازالت منهج  النظام الحاكم واقامة البديل الديمقراطي الذى تسعى له معظم قوى المعارضة الاريترية فى التحالف الديمقراطي الارترى وخارجه.
وأصحاب التغير الشامل يريدون عقد ملتقى الحوار الوطني كمقدمة  لوضع النقاط فوق الحروف لمستقبل ارتريا،وهم يتحركون بثقة اكثر من اي وقت مضى لوجود التأيد الشعبي العارم لهم.
اما اصحاب التغير السلمي او الاقصائى  لا ينظرون الى مثل هذا الملتقى بعين الرضى بإعتبار انهم لا يبحثون عن التغير الشامل بقدر ما يبحثون عن تأمين المكتسبات التي تحققت فى غفلة من الزمن،وبتالى مثل هذا المؤتمر قد يفسد عليهم كل المخططات او بعضها،وان كان تحركهم الان دون غطاء المشاعر القومية التي كثيرا ما إستندوا اليها من قبل،وان اصبح عقد هذا الملتقى واقع ملموس ولا يستبعد ان يتعاملوا معه من باب شر لابد منه وخاصة فى ظل ضغوطات دول الجوار الارترى،لذا لا يستبعد عودة المنسحبين من الملتقى،خاصة اذا ما توصل اصحاب الفكر الاقصائى فى الخارج مع من فى الداخل لحلول وسطية من باب الحرب  داخل الملتقى افضل من خارجه.
 الاحداث الاخيرة  فى مسألة انعقاد ملتقى الحوار الوطني الارترى للتغير الديمقراطي من عدمه يمكن قراءاتها فى هذا  السياق التاريخي لصراع الفكر السياسي الارترى والصورة تتضح أكثر كل ما حرك الرسام ريشته بشكل جيد على الوجوه.

هناك تعليق واحد:

anjabba يقول...

لك التحيه استاذنا الجليل احمد نقاش مدونة رائع وتحمل رسالة وطنيه.......
تعبر عن رأى سياسيى يتميز به الكاتب الكبير صاحب القلم العملاق احمد نقاش ....
نتمنى لك التوفيق والسداد حتى تكمل رسالتك الوطنيه القيمه...
ولك خالص شكرى وتقديرى
اخوك امان انجابا