الأحد، ١٣ محرم ١٤٣٢ هـ

مؤتمر الحوار الوطنى إلى أين فى ظل صراع الفكر السياسي الأرترى ؟ (1)


بقلم أحمد نقاش

تابعنا هذه الايام فى المواقع الاريترية احاديث كثيرة عن مؤتمر الحوار الوطني الاريتري لتغيير الديمقراطي المزمع عقده فى اواخر شهر يوليو القادم فى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا،فى ظل اهتمام جماهيري كبير وكذلك دول الجوار الارترى بهذا المؤتمر،خاصة الحكومة الاثيوبية التي كثفت جهودها فى الفترة الاخيرة من  أجل تقريب وجهات النظر لقوى المعارضة الارترية،فى حركة تشير الى  إستراتيجية جديدة للحكومة الاثيوبية فى تعاملها مع قوى المعارضة الاريترية ومظلته الجامعة (التحالف الديمقراطي الارترى) من هنا يمكن القول ان حكومة أديس ابابا يبدو نقلت ملف المعارضة الاريترية من زوايا الادراج الامنية الى رحاب الغرف السياسية،مما يؤكد هذا الموقف  الجديد الى ان الاحداث السياسية فى القرن الافريقي عامة وفى اريتريا على وجه الخصوص مقبلة على عهد جديد ايجابا او سلبا، من هنا تريد القيادة الاثيوبية ان تتحسب وتستعد لكل الاحتمالات لان الوضع الاثيوبي نفسه لا يتحمل صومال جديد فى حدوده الشمالي لذا يبدو الاستراتيجية الاثيوبية تريد ان تضع  النقاط على الحروف.
لكن هل الفكر السياسي الارترى الحالي قادر على إلتقاط هذه الاشارات الواضحة ومثل هذه الفرص الذهبية ومحاولة توظيفها بشكل يخدم قضية الشعب المقهور ؟ ام سيظل أسير للفكر القديم المتجدد؟
الا ان الجدل المثير الذى يدور هذه الايام بخصوص عقد مؤتمر الحوار الوطني لتغير الديمقراطي ،وخاصة بعد إعلان (حزب الشعب الديمقراطي الارترى) بعدم مشاركته فى هذه المائدة الوطنية يؤكد بكل وضوح ان الفكر السياسي الارترى لا زال يترنح فى ضلاله القديم،دون ان يفسح المجال لشعب الارترى ليقول كلمته دون وصية من احد.
ان ابناء اريتريا يحاولون منذ تأسيس (جمعية الحب الوطن) عام 1943 وكذلك منذ محاولة الجلوس على المائد المستديرة فى منطقة بيت قرقس فى اسمرا عام 1947 الى اليوم للجلوس على طاولة الحوار لمناقشة قضاياهم الوطنية بكل وضوح وشفافية،الا ان الرياح تأتى بما لا تشتهيه رغبات الشعب الحقيقية.صحيح ان هذا المؤتمر لن يكون هو الاخير وكما لن يستطيع حل كل مشاكل الوطن الارترى لان مشاكل هذا الوطن اكبر من ان تحل من خلال مؤتمر واحد يعقد هنا او هناك،- خاصة بعد الجراحات العميقة التي احدثها النظام الديكتاتور الطائفي على الوحدة الوطنية - الا ان  هذا المؤتمر يعتبر ضرورة مرحلية من اجل وضع الاسس لانتقال السلطة الى رحاب العدل والديمقراطية لتكتمل الامور وتنمو مع الممارسة فى صيرورة الزمن،اما  ما  اذا  كان هذا المؤتمر يمثل الشعب ام لا؟ اعتقد ان مسالة التمثيل لايمكن فهمها خارج السياق الزمان والمكان والظروف، فضلا عن ان الشرعية والتمثيل قضايا نسبية وفق المعطيات والمقاصد وليست غاية فى حد ذاتها، وعقد مؤتمر الحوار الوطني لتغير الديمقراطي فى ظل هذه الظروف الحرجة التي يمر بها الشعب الارترى فى الوقت الحالي يجب ان نتعامل  معها فى اطار نظرية فلسفية القائلة ( ما كان فى الامكان ابداع اكثر مما  كان ) الا ان  من سوء حظ هذا الشعب كل ما اراد عقلاء القوم من ابناء اريتريا لتحقيق الوفاق الوطني وتحديد الثوابت الوطنية، جاء شياطين الفكر السياسي الارترى الاقصائى لاجهاد مجهودات أصحاب الفكر السياسي الارترى الوفاقي.
لقد حاول البعض تفسير اسباب الخلاف حو ل هذا المؤتمر فى اطار الخلافات السياسية للتنظيمات الارترية،او فى اطار الخلافات حول الاشخاص،الا ان مثل هذه التفسيرات تقف عند الظواهر والاعراض دون الغوص فى أعماق وجوهر الخلافات الحقيقية.ولمعرفة حقائق الامور لابد لنا ان نحلل الخلفيات الاساسية للفكر السياسي الارترى وبنيته الاولى التي قام على أساسها،من هنا يمكن القول ان هذه الخلافات تعود بجذورها الى أعماق أزمة الفكر السياسي الارترى منذ نشأته الاولى  فى اربعينيات القرن الماضى،ولم يستطيع هذا الفكر الى يومنا هذا تجاوز أمراضه المزمنة، ذلك  لغياب الدولة الوطنية الحقيقية الى اليوم،فضلا ان القوى الاستعمارية التي حكمت البلاد لم تحاول خلق مفهوم الوطن الواحد فى مشاعره ورؤيته لابناء الوطن الارترى،بل حافظ المستعمر لشئ فى نفس يعقوب على المفاهيم الاجتماعية والادارات الاهلية والحدود العرفية لمناطق البلاد. وبالتالي ظل ابناء اريتريا لعهود  طويلة فى ظل الحدود العرفية والاجتماعية المتعارف عليها بين المجتمع الارترى الذى كان يدين بولائه لدولة القبيلة التي كانت توفر له الحماية فى ظل غياب الدولة الوطنية،حتى المسلمين والمسيحين فى المرتفعات الاريترية كانوا يعيشون فى ظل توازن وإحترام وحدود معترف بها من الطرفين،وان كانت لا تخلو من بعض شوائب الزمن وتصادم المصالح من وقت لاخر.
اما من الناحية الثقافية كانت لابناء اريتريا ومازالت ثقافتين بارزتين: ثقافة تنطلق من الخلفية المسيحية الارتدوكسية عاصمتها الكنيسة ولغتها التغرينية،واخرى تنطلق من الخلفية الاسلامية عاصمتها المسجد ولغتها العربية.
هذا الواقع قديما لم يخلق ما يسمى صراع السلطة او صراع الثقافات، لعدد من الاسباب الموضوعية :
1-    لغياب مشروع الدولة الوطنية فى ظل الاحتلال.
2-    إلتزام كل الاطراف بالقوانين العرفية والاجتماعية
3-    وجود توازن القوى والاحترام المتبادل
4-    معرفت كل طرف ماهيته وهوية الاخر
5-    غياب اطماع دول الجوار من الناحية العملية فى تلك المرحلة للوجود قوى استعمارية قارية على ارض الواقع.
عقب الحرب العالمية الثانية واحتلال بريطاني لاريتريا واقرار دول الحلفاء المنتصرة حق تقرير المصير للمستعمرات الايطاليا فى افريقيا بدأ حراك المجتمع الارترى لاول مرة على شكل احزاب سياسية وظهرت معه ملامح مشروع الدولة الوطنية من ناحية واطماع اثيوبيا من ناحية اخرى،ومصالح الدول الكبرى من  الناحية الثالثة.
وهذا الحراك السياسي الارترى يمكن تقسيمه من الناحية الفكرية الى ثلاث خطوط رئيسية والتي نشاهد  تأثيرها فى الفكر السياسي الارترى الى يومنا هذا مهما تغيرت الالوان ومسمياتها وهى:
1-    الفكر السياسي الاقصائى
2-    الفكر السياسي الحقوقي
3-    الفكر السياسي الوفاقي

اذا شاء الله نواصل فى الحلقة القادمة الحديث عن هذه الخطوط الثلاثة وعلاقتها بالخلاف السياسي الحالي  حول مؤتمر الحوار الوطني

ahmednagash@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: