الأحد، ١٣ محرم ١٤٣٢ هـ

أريتريا بين زوال النظام والبحث عن البديل



بقلم: أحمد نقاش
 النظام الحاكم فى أسمرا ينزلق يوم بعد يوم الى نهاية مجهولة بل يفقد توازنه أكثر من أي وقت مضى لدرجة ان كثير من المؤسسات الدولية اصبحت تعبر عن مخاوفها من الانهيار المفاجئ للوضع فى اسمرا.
وقد تحدث تقرير {مجموعة الازمات الدولية } فى الفترة الاخيرة بأن الدولة الأريترية تكاد تدخل مرحلة الانهيار وقد تصبح ضمن الدولة الفاشلة فى القرن الافريقي مما يعقد هذا الفشل الوضع الامني المفقود اصلا فى القرن الافريقي،والانباء القادمة والمنقولة من داخل اريتريا تتفق مع ما ذهب اليه تقرير {مجموعة الازمات الدولية}.
ورأس النظام فى أسمرا أضحى يعتمد على تناقضات مراكز القوى فى بقائه على السلطة،والتى ساهم بنفسه فى إيجاد هذه المراكز  للجنرالات الجيش ومناطقها الستة المعروفة  فى البلاد لهذا القرض على وجه التحديد،والاعتماد على تناقضات مؤسسات  الدولة لدليل واضح على ضعف القبضة الحديدية الفردية كما  كان فى السابق،وهذا بدوره يوحى على  تخلخل مكونات الدولة القومية الاقصائية التي أسست على منهج {نحن وأهدافنا }..... "... وتلك  الآيام نداولها بين الناس ... "
مظاهر هذا الانحلال للنظام الطائفي تفشت فى كل مقومات الدولة بل تجاوزت هده المهددات الى الكيان الوطني بأسره :
1-     الانهيار القانوني :
من المعلوم ان النظام قام على اساس ما يسمى الشرعية الثورية التي من المفترض ان تنتهى فى اسواء الاحوال  مع بذوق فجر الاستقلال،لكن ما حدث هو تكريس لهذه الشرعية المعاقة،ومحاولة إسنادها بالحروب المفتعلة من وقت لاخر مع دول الجوار الارترى،لان هذا الحزب  الذى قام من اجل رسالة قومية هالكة لا يستطيع ان يطرح نفسة لتنافس الحر على مستوى الوطن،لان الاساس الذى قام عليه هو أساس باطل..وما  تم بناءه  على باطل فهو باطل دون ادنى شك.. هكذا اعتلا السلطة على أساس قانون انتهت صلاحيته،ومع الوقت انهار كل مظهر من  مظاهر القانون واصبحت الدولة من غير  قانون ولا دستور وبالتالي تحول نظام الحكم فى البلاد الى نظام الغابة .. القوى فيه يأكل الضعيف.. والنصوص القانونية اضحت عبارة عن خواطر تخطر على بال الجنرالات لإهلاك أولى الألباب ولتخويف الضعاف من اهل البلاد،هكذا انهارت كل مظاهر القانون فى البلاد.

2-     الإنهيار الاقتصادي :
إقتصاد  اي دولة فى العالم يقوم على فلسفة محددة ترتكز عليها وعلى رؤية واضحة المعالم تنطلق فى رحابها،هذا ما تعارف عليه البشرى فى ادارة شؤون الاقتصاد ومعايش الناس فى الاوطان.
اما إقتصاد الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا أيام الكفاح المسلحة قيل  للعالم  أجمع انه إشتراكي دون إشراك الشعب فى منافع المدخولات ومغانم النضال،ثم قيل  للعام فى عهد الدولة المزعومة إنه نظام إقتصاد الحر دون حرية تذكر لاهل البلاد فى كسب معايشهم،هكذا  لم تكن لهذا الاقتصاد منذ نشأته لا فلسفة ولا رؤية وفق المفهوم العالمي للنظريات الاقتصادية.
بل قام اقتصاد النظام على التأميم الشامل لكل ممتلكات  الشعب حتى وصل التأميم الى الأبناء من اجل تشغيلهم فى مشارع جنرالات النظام دون اي مقابل تحت مسمي {الخدمة الوطنية} ظلما وبهتان لترسم لنا بذلك لوحة عبودية جديدة لشعب بكامله فى مقاطعة أسمها {دولة أريتريا}.وهكذا يمكن القول إن إقتصاد نظام أسمرا قام على :
-         سرقت قوت الشعب وإستعباده
-         غسيل الاموال فى الداخل والخارج
-         الضرائب الاجبارية على أبناء الجالية الاريترية فى الخارج حتى الحاملون لجنسيات  الدول  الاخرى عبر وسائل الابتزاز  المخالفة للقوانين الدولية .
-         الحفلات والمهرجانات،التى يقيمها زبانية النظام فى الخارج وما  اصطلح عليه أخيرا {بمهرجانات التسول}
-         التطفل على إقتصاد الدول المجاورة كما  حدث مع المنتج النقدي الاثيوبي {بن} ماقبل  حرب بادمي والتي يقال انها  كانت  من احد أسباب الحرب المجنونة.
وعندما اضحت كل هذه المصادر الغير مشروعة مكشوفة  لابناء الشعب الارترى فى الداخل و الخارج  وللعالم أجمع بدأت تنحصر رويدا رويدا وكثير  من  أبناء اريتريا  فى الخارج أمسكوا أيدهم عن العطاء إلا المضطرون { فمن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } فضلا عن قرار الحذر من مجلس الامن رقم 1907 كل هذه الامور شكلت على النظام الهاجس الاكبر،بل اصبح اقتصاد الدولة فى حكم الانهيار التام وفق المقايس العالمية لمفهوم إقتصاد الدولة.

3-     الانهيار والتخلخل السكاني  للوطن :
من المعلوم إن الاوطان تبقى  قوية  وصامدة ببقاء وصمود ساكنها على ظهرها،لان المواطن هو الذى يدافع عن الوطن عند اللزوم وهو الذى يدفع عنها الشر "ولو لا دفع الله  الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض " وقديما ادرك امبراطور اثيوبيا {هيلي سلاسي} أهمية السكان فى الدفاع عن الوطن عند ما قال " نحن نريد ارض اريتريا وليس شعبها.." وما عجز عن تحقيقه امبراطور أثيوبيا بآلته العسكرية يكاد يتحقق اليوم على ايدي من زعم على انهم أبناء جلدتنا أي " النظام الحاكم وزبانيته" ذلك بإفراغ اريتريا  من ساكنها وهكذا اصبحت ظاهرة الهروب وخاصة فبيئة الشباب ظاهرة يومية،وتشير كل الاحصائيات الدولية والاقليمية ومؤسسات شؤون اللاجئين بإستقبال اعداد هائلة يوميا من اللاجئين فى معسكراتها خاصة فى كل من السودان وأثيوبيا ومنها الى ارض الله  الواسعة،ولا بقاء فى اريتريا إلا لمن عجزة عن كل الحيل فى الخروج منها.وهذا الفراغ السكاني اصبح يهدد مستقبل الوطن ككل وليس النظام فحسب.وأما مستقبل النظام فحدث ولا حرج والحديث اليوم ليس حول بقاء النظام لان النظام قد استوفى شروط زواله،ولكن الحديث اليوم هو حول البديل الذى يفترض ان يملئ فراغ السلطة فى البلاد حتى لا يكون هناك صومال جديد فى المنطقة.

4-البحث عن البديل :
كان من المفترض ان تكون قوى المعارضة الاريترية هي البديل المناسب لملئ الفراغ ،الا ان المتتبع لاحوالها يفتقد فيها هذه الخاصية لأسباب ذاتية وموضوعية ..
الأسباب الذاتية  يمكن ان نجملها فى :
-         ان الخطاب السياسي للمعارضة لم يستطيع تجاوز مرحلة سبعينيات القرن المنصرم .
-         القيادة التاريخية والحرس القديم لم يستطيع نقل السلطة الى الجيل الجديد لانه لم يخطط لذلك ابدا.
-         عجز قيادة المعارضة عن توظيف الفرص وإستغلال تناقضات المصالح الدولية فى الوقت المناسب.
الأسباب الموضوعية :
-         ضعف المعارضة يرجع  جزئيا الى ضعف  الوعي السياسي لدى الشعب وانصرافه الى الحلول الفردية فى قضايا من المفترض ان تعالج  بتكاتف الجماعى،وعزوف ابناء أريتريا عن العمل السياسي ادى الى شلل العمل المعارض.
-         ضعف دول الجوار الارترى وخاصة الدول العربية التي من المفترض ان تلعب دور إيجابي لمساعدات الشعب الارترى فى الخروج  من أزمته بإعتبار ان الشعب الارترى ينظر إليه تاريخيا من قبل الدول الغربية على انه يصب فى مصلحة  الاستراتيجية العربية التي لا توجد أصلا فى الواقع  العربي اليوم.

وجملة القول إن الساحة السياسية الأريترية عليها ان تبحث عن  البديل والبدائل فى آليات العمل السياسي الارترى قبل فوات الأوان وإنهيار الوضع فى أريتريا . 

ليست هناك تعليقات: