الثلاثاء، ٢١ ديسمبر ٢٠١٠

ملتقى الحوار الوطني خطوة فى ألف ميل..


بقلم أحمد نقاش

تم عقد ملتقى الحوار الوطني ما بين 31/07 الى 09/08/2010 بحضور {330} عضوا من مختلف  فئات ابناء أرتريا،لقد كان حقا عرسا وطنيا،فضلا عن انه محطة تاريخية تستحق الوقوف  نظرًا لما دار فى مجالسها خلال عشرة ايام من الحوارات والقرارات
كما هو منتظر من قراء مقالاتي سوف اتناول الموضوع  من خلال ورؤية موضوعية ونظرة نقدية حتى يكون القراء على  صورة كاملة على مجريات أحداث ملتقى الحوار الوطني لكي نتعرف على الجوانب الايجابية وكذلك الجانب السالب فيه لان  الامم لا تتقدم الا بمعرفة كل الجوانب فى ممارستها السياسية،والتعرف على العثرات السالبة. التعرف على النواقص لا يعني بالضرورة انتقاص من الملتقى بل السير نحو الكمال الذى يصبو اليه ابناء أريتريا فى الداخل والخارج.

الاهتمام الاثيوبي:
كان اهتمام أثيوبيا والحزب الحاكم  كبير  جدا بهذا الملتقى ،لقد  كان مقر الملتقى مناسب لمثل هذه الملتقيات الكبيرة الحجم ،وتم فيه توفير معظم الاحتياجات،خدمات الإقامة والإعاشة والرعاية الصحية كانت  جيدة،والحس الامني كان عاليا جدا،اما من الناحية السياسية لقد  حضر الجلسة الافتتاحية السيد {مختار خضر} عضو اللجنة التنفيذية للحزب الحاكم والكلمة التي القاها فى الافتتاحية عبرت عن  الموقف  القوى  والدعم اللا محدود للملتقى، وكذلك استقبال السيد {سيوم مسفن} وزير الخارجية الاثيوبي لسكرتارية الملتقى وقادة التحالف الديمقراطي الارترى حمل فى طياته دليل واضح على الاهتمام  الكبير من الحكومة الاثيوبية بهذا الملتقى .
يمكن القول إن هذا الاهتمام له ما بعده اذا إستطاعت قوى المعارضة الاريترية إستغلاله فى وقته المحددة لان السياسة مثل  الخيط الابيض من الفجر.فضلا عن هذا الاهتمام  يشير على أن السياسة الاثيوبيا فى التعامل  مع  نظام اسمرا ستكون مختلفة فى قادم الايام عم كانت عليه فى السابق، يبدو ان هناك إستراتيجية جديدة على  المعارضة الاريترية أن تحسن قراءتها بشكل جيد.

غياب الدور العربي :
معلوم  تاريخيا ان لدول العربية كان لها دورا كبير فى القضية الاريترية ايام الكفاح المسلحة،الا ان غياب هذا الدور فى هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الشعب  الارترى وخاصة فى مثل  هذا الملتقى الجامع لأبناء الاريترية ،كان مصدر إستغراب بشكل ملحوظ ، عدا المشاركة الخجولة لوفدي السودان  واليمن ضمن إطار تجمع تعاون  صنعاء الذين شاركا بالحضور فقط فى الجلسة الافتتاحية لملتقى الحوار.
وهذا الموقف المتفرج من الانظمة العربية تجاه معاناة الشعب الارترى  سوف يؤدى الى فتور العلاقات الاخوية والتاريخية والثقافية والروحية  ما  بين  اريتريا المستقبل والمنطقة العربية وهذا  ليس  فى  صالح  الطرفين.

الدور العالمي:
إن ملتقى الحوار الوطني  الارترى  للتغيير الديمقراطي كان تجمع  وطني كبير من أجل الديمقراطية والسلام فى القرن  الافريقي،وبتالى من  المفترض ان يجد إهتمام  العالم بل كان ينبغي ان تحشد له مؤسسات عالمية رسمية وشعبية ووسائله الإعلامية بقدر المستطاع،لكن للأسف الشديد سجلت كل هذه الجهات غياب لامثيل  له،مما حرم المجتمع العالمي من متابعة هذا العرس الكبير الذى تحقق لابناء اريتريا فى هذه اللحظة من التاريخ.
وأعضاء الملتقي لم يستطيعوا التعرف على الأسباب الحقيقية لهذا  الغياب وخاصة غياب مؤسسات المجتمع الأدنى من دول العالم المتقدم التي هي اكثر حريتا وتحرورًا وكذلك الوسائل الاعلامية العالمية المختلفة،لان اللجنة التحضيرية لم تقدم اصلا تقريرها الادبي والمالي عن مرحلة عملها السابق للملتقي.وبتالي يمكن إرجاع اسباب الغياب وفق التحليل المنطقي الى احد  الأسباب التالية :
-         إن اللجنة التحضيرية لم تقدم الدعوات الى هذه الجهات إم لأسباب القصور والإهمال ام لأسباب خارج عن إرادتها.
-         قد تكون قدمت الدعوات ولم تستجيب هذه الجهات،وفى هذه الحالة إن هذه المؤسسات قد تكون لم تستوعب بعد أن الشعب الأرترى يعيش فى هذه المرحلة حراك سياسي شديد من أجل التغيير الديمقراطي،وبالتالى حرمت نفسها وجماهيرها من متابعة حدث مهم فى أريتريا و فى القرن الإفريقي.
من هنا يجب على كل قوى المعارضة الاريترية ان تنفتح بشكل إيجابي على العالم وأن تخترق مجالاته المختلفة من أجل حشد التأيد لقضية الشعب والوطن،وخاصة مؤسسات المجتمع المدني الاريترية العاملة فى العالم  الحر ان تبذل مجهودات جبارة فى مخاطبة المؤسسات المماثلة  لها لكسب تأيدها لصالح  قضية المعارضة،وكذلك  من أجل حضورها فى المؤتمر القادم المزمع عقده.


اللجنة التحضيرية :
بذلت اللجنة التحضيرية مجهود جبار مقارنة مع ضيق الوقت  وكثرت الاعمال التي واجهتها فى الاعداد والتجهيز وخاصة فى التصدى لمحاولة إفشال الملتقى من بعض قوى المحسوبة على المعارضة الأريترية وان كانت النواقص حاضرة بشكل من  الاشكال وخاصة  فى :

أ/ رغم أهمية الاوراق التي قدمت الى الملتقى من حيث المحتوى الا ان إعداد اوراق  الملتقى لم  تكن على مستوى المطلوب لكثرة الاطالة فيما  لا ينبغى الإطالة فيه فضلا عن الإختلاف والتباين ما بين النسختين العربية والتقرينية مما أحدث شيئ من الارتباك والتأخير فى انجاز اعمال  الورش بالسرعة المطلوبة.

ب/ القادمون من السودان  تكبدوا مشاق الطريق البرى لاكثر من يومين رغم وجود  من بينهم رجال كبار فى السن  وعليلين فى الصحة.وهذا ربما جعل البعض أن يشعر بعدم مساواتهم بالأخرين الذين أتوا الى الملتقى عبر الرحلات الجوية .
ج/الارتباك الكبير الذى حدث فى تعديل جز  التذاكر من حيث العودة للقادمين  من {اوروبا وأستراليا وامريكا وكندا} لقد  كان عجزا  واضحا  فى حل مشكلة بسيطة كهذه مقارنة  مع اهتمام الدولة المضيفة الكبير مما يدل على  ان التحضيرية لم  تناقش  مثل هذه  المشكلة بشكل جيد  مع  الجهة المعنية علما ان الخطوط تابعة لدولة المضيفة.
لعل هذا  الارتباك وإنشغال الناس بالعودة  فى الزمن الضائع أثر سلبا  على المتابعة الجيدة والدقيقة للبيان الختامي مما  فات على الناس التباين ما بين النسختين  العربية والتقرينية وكذلك فقرة {حق تقرير المصير} وكما  حرم  الناس من اللقاء الذى كان متوقع مع السيد {ملس زيناوى} رئيس وزراء أثيوبيا.

التحالف الديمقراطي الارترى :
لعب التحالف الديمقراطي الارترى دورا كبيرا وإيجابي لانجاح  الملتقى بالتعاون الكامل مع اللجنة التحضيرية،ومع ذلك لم  يكن للتحالف  تصور كامل لمخرجات  الملتقى  مما  احدث ذلك  اشكالية كبيرة وارتباك فى ماهية حدود  وصلاحيات هذا الملتقى،وعلى ما يبدو التحالف جاء بتصور محدود الا وهو ان مهام الملتقى فقط مناقشة القضايا المختلف حولها، من خلال  الاوراق التي تم اعدادها وهى { ورقة الوحدة الوطنية، آليات التغيير ورقة المرحلة الانتقالية،،وكذلك ورقة الميثاق الوطني } بعد اقرار هذه الاوراق على الجميع الانصراف من حيث أتوا. فى المقابل كان تصور لبعض مؤسسات المجتمع المدني  وكذالك الشخصيات المستقلة،ان يخرج الملتقى  بمجلس وطني لكي يكون المظلة الوطنية الجامعة مع بقاء التحالف الديمقراطي كما هو فى مهامه الوطنية،وإختلاف الرؤية احدث شيئ من الحراك داخل  الملتقى،ومن هذا  الحراك تمخضت مفوضية ملتقى الحوار كحل وسط يرضى  الاطراف المختلفة بما  فيها تنظيمات خارج التحالف. فى البدء جاء الاقتراح لمفوضية تتكون من  {45} ونصيب التحالف {22}  وبعض احتجاج الاطراف الاخرى تم رفع عدد المفوضية الى {53} عضوا مع بقاء نصيب التحالف  كما هو {22} بما فى ذلك التنظيم الذى تخلف عن حضور الملتقى.

مؤسسات المجتمع المدني :
من المعلوم ان مؤسسات المجتمع المدني الاريترية كان لها دور كبير فى انعقاد الملتقى فى الوقت المحدد له والتصدي لكل العراقيل لافشاله، الا انها لم تحمل هي الاخرى  فى جعبتها رؤية مشتركة لمخرجات الملتقى، والبعض منها كان يرى ان دخول مؤسسات المجتمع المدني  فى العمل السياسي بشكل  واضح ومباشر فى  مؤسساته السياسية يتعارض مع مهام وقوانين المنظمة لمؤسسات المجتمع المدنى،الا ان مثل هذه الاراء لم تجد اذنا صاغية،من معظم مؤسسات المجتمع  المدني بل البعض حاول ان يوفق بين العمل فى اطار مؤسسة المجتمع المدنى والعمل السياسي المباشر من خلال المشاركة المباشرة فى السلطة على اساس ان السياسية  الأريترية لها ظروفها الخاصة التي تمر بها  الان وبالتالي الضرورات تبيح المحذورات،وهكذا تفاعل الجميع  من اجل السلطة، تحت مبررات مختلفة وبشهية مفتوحة . من هنا يمكن القول ان بعض رجالات مؤسسات المجتمع المدنى الاريترية طلاب سلطة مثلهم فى ذلك مثل  رجال التنظيمات الارترية،ولهم خياراتهم  ثقافية ورؤية محددة فى السياسة الاريترية ومستقبل البلاد.والسعي الى السلطة  من الاشياء المشروعة وخاصة اذا سميت الاشياء بمسمياتها.

التنظيمات خارج التحالف :
 حضرت الملتقى  تنظيمات خارج التحالف بعدد  يفوق بكثير من تنظيمات داخل التحالف،الا ان  حالهم  كان اشبه بحال اليتيم الذى حضر مائدة الاخرين،فى مقابل تنظيمات التحالف التي كان لها فاعلية كبيرة داخل الملتقى ومع ذلك هذه التنظيمات خارج التحالف ساهمت بشكل إيجابي فى مسيرة فعاليات الملتقى ثم  انخرطوا مثلهم مثل الاخرين فى الصراع على السلطة واستماتوا من اجل رفع نصيبهم  من خمسة الى سبعة،ثم  واجهتهم صعوبة شديدة  فى اختيار  السبعة  من  {15} تنظيم تقريبا.

الشباب :
ان ملتقى الحوار الوطني تميز بحضور مميز وبعدد  كبير للشباب من بلاد المهجر واثيوبيا والسودان وكانت تدور حوارات جيدة بينهم بل كان لديهم احترام متبادل اثناء النقاش والحوارات،الا  ان نصيبهم فى الكوتا كانت قليلة جدا مقارنة مع  عددهم الكبير  فى الملتقى،وكان نصيبهم  فى الكوتا {2} فقط وأسلوب  الاختيار كان ديمقراطيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى واذ تم ترشيح عدد من الشباب ومن  بينهم  تم اختيار شخصين عبر  الاقتراع  السري ومن ثم أعلنت اللجنة الانتخابية الخاصة بهم النتيجة بالفائزين والاحتياط ،وكانت هذه الممارسة حقا  جميلة تستحق الوقوف،من هنا  يمكن القول اذا كانت ستمارس فى اريتريا المستقبل الديمقراطية الصحيحة دون تأويل او تحوير ستمارس من خلال الشباب الارترى ان استطاعوا الى ذلك سبيلا.

المرأة :
مشاركة المرأة الأريترية فى الملتقى كان قوية وملفت للنظر والمساهمات فى النقاش والاراء كانت  على مستوى عالي جدا والحرص على خروج الملتقى بنجاح كان اكبر ونصيبها فى الكوتا كان مناسب لحضورها.  

الرعيل الاول :
ان وجود رجالات الرعيل  فى الملتقى اضفى على الملتقى روح التحدي لكل الصعاب مهما كانت كبيرة
 فضلا عن  انها  كانت اشبه ما  تكون بتسليم الامانة الى اهلها،ان وجود مثل هؤلاء الرجال رغم تقدم السن بهم وحضورهم للملتقى عبر الطرق البرية  لدليل  واضح ان عطاء هؤلاء لهذا الوطن ولهذا الشعب عطاء لا حدود له .. على قدر أهل العزم تأتى العزائم... وتأتي على قدر الكرام المكارم.. وعلى ابناء اريتريا  ان  يلتفتوا بعين العطف والاجلال الى هؤلاء الرجال.


خطبة صلاة الجمعة :
يوم 06/08/2010 صادقة يوم الجمعة  وقام اهل القبلة من اعضاء الملتقى  بإقامة شعيرة صلاة الجمعة  فى الساحة المفتوحة  والقى فيها الشيخ {خليل} خطبة هادفة اكد فيها على اهمية الملتقى والحوار الوطني بين  ابناء اريتريا  كافة ومن كل المعتقدات دون تميز،ثم اردف قائلا ..كان من الاهمية بمكان لو يكون مثل هذا الملتقى،  ملتقى للمسلمين خاصة بهم  لكي  يناقشوا فيها قضاياهم الخاصة ويحدد فيها مطالبهم الخاصة ويرتبوا فيها البيت الد اخلى  لكي يساعد كل ذلك فى ايجاد  الحل الشامل للقضية الوطنية ... حقا كانت خطبة هادفة .. لكن هل استوعبها الحاضرون وخاصة  اولى الأمر..  واقع  المسلمين  داخل الملتقى يقول غير ذلك ان  خطبة الشيخ بقدر حكمتها لم يكن واقع  لاستيعابها .. بدليل  الكل كان يسعى للكسب الحزبي اكثر من خلق التوازن الحقيقي فى اطار الوطن العام بل ان التخطيط كان ضعيف  فى تحقيق المكاسب.. وما تحقق  من الاهداف المشتركة لم تتحقق  بفضل التخطيط المشترك إنما تحققت على اساس انها  كانت مطالب كل حزب او تنظيم على حدا وبتالى كانت التقاء دون لقاء والفرق شاسع بين المسألتين فى العمل السياسي  الا أن إلتقاء الافكار دون إلتقاء الرجال  قد  لا تجدى فى كثير  من  الاحيان ولا فى قادم الايام لان دوام الحال على  ما  هو  عليه  من  المحال .. هكذا  اناس يحسنون التخطيط  دون خطبة الجمعة .. وأناس لا يقدرون على حسن التخطيط رغم خطبة الجمعة وملامسة الشيخ للجرح الحقيقي وكيفية المعالجة.. وكانت خطبة الشيخ كمن قيل فى شأنها .. {لا يصلح العطار ما افسده الدهر ..}

نظام الكوتا والديمقراطية :
من الاشياء المتعارف  عليها فى الملتقيات والمؤتمرات ان الوفود لمجرد  وصولهم إلى قاعة الملتقى او المؤتمر يصبحون اعضاء للملتقى او المؤتمر الذى جاؤا  اليه بصرف النظر عن المناطق او الجهات  او المؤسسات او التنظيمات او القنوات التي جاؤا عن طريقها دون ان يعنى ذلك التنازل عن قنعاتهم السياسية  والفكرية ولكن يفترض ان تنزل هذه اراء السياسية او الفكرية  ضمن سياق الملتقى ومن يطرحها ان يطرحها كعضو الملتقى لا كعضو فى الجهة او المؤسسة،الا ان الكثير لم يستطيع التفريق والتوفيق ما بين  هذا وذاك وبتالى ظهرت ظاهرة  الاجتماعات الفئوية كل على حدا – شباب ،مرأة،مؤسسات مجتمع مدنى،تنظيمات التحالف،تنظيمات خارج التحالف،الرعيل،وكذلك على اساس المناطق الجغرافية- ولعل هذا المناخ رغم فوائده فى تسهيل الحوار إلا أنه هيأت النفوس لقبول نظام الكوتا الجامدة - الذى لا يخضع للانتخاب العام بعد تحديد  القوائم- دون اي جدل يذكر،بل لم تجد الاقتراحات التي ارادت ان توفق ما بين  نظام الكوتا الجامدة وادخال المدرسة الديمقراطية فى الممارسة طريقها إلى قلوب الناس ولعل  الارهاق والتعب خلقت لدى الناس رؤية ضبابية فيما ينبغى ان  يكون او التميز ما بين {الكوتا الجامدة} و {الكوتا المرنة} التي تخضع للإنتخاب العام على مستوى  الحضور بعد  تحديد  كل جهة قوائمها الانتخابية،الا فى كثير من  الاحيان تأتي الرياح  بما  لا تشتهي السفن.
هكذا تغلب نظام الكوتا على  الاسلوب الديمقراطي المباشر  العام فى اختيار سكرتارية الملتقى وكذلك فى اختيار المفوضية ،بل هناك  من  اعتبر ان نظام الكوتا هو احد اساليب الديمقراطية لمجرد اختيار الناس فى المجموعات دون اشراف السكرتارية على ذلك على الاقل لتأكد من حضور العدد الكلى للمجموعة الجغرافية او الفئوية بل لتأكد من  تطبيق اللائحة فى اسلوب الاختيار،ام  ترك الامور للمجموعات  ثم اقرارها  دون التعرف  على  المعترض او الطاعن كان فيه شيئ من التسرع هكذا تم تأويل الممارسة الديمقراطية  دون دليل ولا كتاب ولا سراج منير وبتالى نظام الكوتا  هو الذى ادى الى ضرورة  ارتفاع  عدد  السكرتارية إلى {17}  وكذلك  عدد المفوضية إلى {53} هذا الاسلوب ان  حل  اشكالية الصراع على  السلطة الا  انه حرم بعض الكفاءات والقدرات المستقلة للولوج الى السكرتارية او الى  المفوضية،ليصبحوا اضافة الى بعض الكفاءات الاخرى،لكن  هذه  هي سلبيات نظام الكوتا الذي كان مفضل على الديمقراطية المباشرة ،من هنا ينبغى على المفوضية على ما لديها من الكفاءات  ان تستعين بأهل التخصص والكفاءات الاخري فى اعدادها للمؤتمر القادم.

وجملة القول إن الملتقي نجح فى مناقشة كل القضايا الحساسة  بكل وضوح وشفافية وبتالى نجح فى تعزيز الثقة وتوحيد الرؤية  والتأكيد على اهمية الحفاظ على حقوق الجميع في ظل وحدة اريتريا ارضا وشعبا تحت شعار – الوحدة فى التنوع – هكذا سادت جلسات الملتقى ومجالسه مناقشات  ديمقراطية عالية بروح من المسؤولية والمحبة والاخوة،الا ان طبيعة تكوين الملتقي والظروف التي نشأة تحتها جعلته ان تكون الكوتا حسن الختام على الاقل فى هذه المرحلة، لذا ما  كان فى الامكان ابداع اكثر مما  كان،وفى كل الاحوال علينا  ان نستفيد  من هذه التجارب فى قادم  الايام،ليس عيبا ان تتقدم ثم تتعثر مادام تعمل،لكن العيب ان تستمر فى العثرات،وعلى المجتمع الارترى ان يتحرر  من نظام الكوتا الجامدة، لينطلق الى رحاب الديمقراطية المباشرة مادام نسعى للتغيير الديمقراطي الحقيقي.



الأحد، ١٩ ديسمبر ٢٠١٠

مؤتمرالحوارالوطنى إلى أين فى ظل صراع الفكر السياسي الأرترى(2) ؟


بقلم أحمد نقاش

تحدثت فى الحلقة السابقة الى ان وصلت بي السطور الى تقسيم خطوط الفكر السياسي الار ترى الى ثلاثة مشارب واضحة المعالم  تتجدد الى يومنا هذا فى اشكال مختلفة وتحت مسميات متنوعة وهذه الخطوط هي :

-         الفكر السياسي الاقصائى
-         الفكر السياسي الحقوقي
-         الفكر السياسي الوفاقي

صحيح قد  تكون مثل هذه  التقسيمات والاصطلاحات جديدة فى قاموس مفردات السياسة الاريترية وقد لا تكون مطابقة للمواصفات العالمية فى مفهومه الاكاديمى،بما ان كل فعلى بشرى لا يخلو من التفكير وبذات فى الفعل السياسي،جاز لنا ان نستنبط هذه التقسيمات من ساحة السياسة الار ترى الممارسة من الناحية العملية ،مثل عالم اللغة الذى يستنبط  قواعد النحو من اللغة المتداولة ذاتها. خاصة اذا  وضعنا فى الاعتبار ان بعض النخب السياسية فى اريتريا اجبن من ان تزيل الاقنعة عن وجهها.
عند بدأ الحراك السياسي الاريترى فى اربعينيات القرن الماضي فى ظل احتلال البريطاني ظهرت على السطح  كثير من الاحزاب السياسية  ابرز هذه الاحزاب هي :
1-    حزب الوحدة مع أثيوبيا {اندنت} والنخب السياسية لهذا الحزب  كانت فى معظمها من {المسيحين التقرينية} وكانت  تمثل قمة الفكر السياسي لاقصائ فى تلك المرحلة ،وافكار هؤلاء كانت تتمحور فى الاستحواز على مقاليد السلطة وأقصاء كل الثقافات والتنوع من اجل سيادة ثقافة واحدة ولغة واحدة فى بلد متعدد الاعراق والثقافات وعند ما علموا استحالت تحقيق هذه الاهداف بمفردهم اتخذوا سياسة ضم اريتريا الى اثيوبيا بعد ان وعدتهم هذه الاخيرة بتمكينهم من مقاليد السلطة فى الاقليم الارترى،ومن اهم وسائل اقناع الشعب من اجل تحقيق الوحدة كانت العزف على المشاعر القومية والدينية،وتخويفهم من إخوانهم فى الوطن.بل مارسوا الارهاب المنظم ضد كل من ينادى تحقيق الاخوة الوطنية والاستقلال.

2-    حزب الرابطة الاسلامية  والنخب السياسية لهذا الحزب كانت تمثل الفكر السياسي الحقوقى،بمعنى كانت تطالب بحقها فى الوطن والحياة دون اقصاء احد لذا كانت تتمحور مطالبها فى تحقيق الاستقلال الكامل لارتريا، وجل نخبها السياسية كانت من ابناء المسلمين فى عموم البلاد فى المنخفضات والمرتفعات على حد سواء،ومن ابرز وسائلها كانت تخويف اتباعها من ان الانضمام الى اثيوبيا سيجعل منهم رعايا بلا حقوق تذكر قياسا على اوضاع المسلمين فى اثيوبيا الامبراطورية فى تلك المرحلة،فضلا عن المميزات التاريخية والثقافية  لاريتريا عن اثيوبيا.


3-    حزب التقدميون الاحرار ،ومعظم نخبه السياسية كانت تتكون من ابناء {المسيحين التقرينية} على وجه التحديد من اقليم { اكلي قوزاى }وهذه النخبة كانت تمثل الفكر السياسي الوفاقي بإعتبار انها كانت  ترفض الانضمام الى اثيوبيا الامهرية وبالتالي كانت تفضل الاستقلال فى ظل الوفاق ما  بين طرفي الوطن الاريتري.ومن ابرز وسائلهم كانت العزف على المشاعر الاقليمية  الا ان المشاعر الدينية وتهديد الحرمان من الطقوس الدينية التي اجاد استخدامها حزب الوحدة عبر {الاب مارقوص}اخذت منهم الكثير من اتباعهم،وهذا  الحزب شكل فيما بعد مع الرابطة الاسلامية ما عرف فى التاريخ الارترى {حزب الكتلة الاستقلالية}

هذا الخط الثلاثي  هو الذى يسود الى الان فى صراع الفكر السياسي الارترى مهما اختلفت المسميات والالوان،وبتالى يمكن ان نعتبر هذه الخطوط معيار ومقياس للمشهد السياسي الارترى.
 قبل تأسيس الكفاح المسلحة من عام 1961 اصحاب الفكر الحقوقي والفكر الوفاقي كانوا يتشاورون  فى عاصمة الكنانة {القاهرة} امثال الشيخ ابراهيم سلطان وادريس محمد ادام وعثمان صالح سبي ولدأب ولد ماريام وغيرهم فى كيفية تأسيس الكفاح المسلحة لاستعادة الحقوق الوطنية.
وفى نفس المرحلة قام اصحاب الفكر الاقصائى فى العاصمة الاثيوبيا بتنظيم انفسهم فيما عرف بخلية {أديس أبابا } على رأس هذه المجموعة السيد {اسياس افورقى} وأهم تطور الذى احدثته هذه المجموعة هو محاولة تنظر للفكر السياسي الاقصائى على شكل كتيب صغير تحت عنوان { نحن وأهدافنا}.
بعد بدع سنين من  انفجار الثورة الاريترية التقيا كل من  مجموعة القاهرة التي كان لها الدور الكبير فى تأسيس الكفاح المسلحة ومجموعة خلية اديس فى رحاب النضال الوطني ولكن لكل  منهم مشاربه وخلفياته فى التوجه السياسي فضلا عن نقاط القوة والضعف لكل منهما :
مجموعة القاهرة كان لها تأثير مباشر على معظم المناضلين فى الساحة النضالية فى تلك المرحلة لاسباب اقليمية واجتماعية وهذه كانت  من اهم نقاط القوة لديها،ونقاط الضعف لهذه المجموعة بدأت بالممارسة العملية للفعل السياسي قبل ان تضع له أسس  نظرية تسترشد بها فى عملها اليومي ونظرتها لمستقبل البلاد والعباد فى عملية اشبه ما تكون بوضع العربة أمام الحصان،فضلا عن الخلافات المبكرة التي دبت فى نخبها السياسية.
مجموعة خلية أديس كان تأثيرها معدوم على القوة المسلحة وهذه كانت نقطة الضعف التي كانت  تعانى منها،اما نقاط القوة لهذه المجموعة كانت  تتمثل فى تحديد رؤيتها وأهدافها التي تريد تحقيقها فضلا عن انها تعرفت على التناقضات الاجتماعية والثانوية التي استخدمتها بشكل بارع لتشتيت وحدة اصحاب الفكر الحقوقي وبتالى خلية اديس   استطاعت ان تضع الحصان امام العربة اي محاولة تنظر   قبل العمل { كتيب نحن واهدافنا } كان يعتبر بنسبة لها بمثابة خريطة الطريق. ومن يضع الخريطة يصل الى الهدف حتى لو كان الهدف غير نبيل.
هكذا مثلت {الجبهة الشعبية لتحرير اريترية } فى فترة الكفاح المسلحة قمة الفكر الاقصائى بجدارة وكانت خير خلف لشر سلف .
وجبهة التحرير الاريترية بمختلف فصائلها المتناثرة كانت تمثل لفترة طويل الفكر السياسي الحقوقي والوفاقي معا الا ان جبهة التحرير الاريترية كل ما تعرضت لضعف جسدي انعكس ذلك الى الضعف الفكرى،وكل ما قوى الفكر الاقصائى ضعف اصحاب الفكر الحقوقي وكل ما ضعف اصحاب الفكر الحقوقي احتار اصحاب الفكر الوفاقي منهم من ثبت فى فكره الوفاقي ومنهم من شد الرحال الى اصحاب الفكر لاقصائ.وخاصة بعد خروج جيش التحرير الارترى من الساحة الارترية،واصبحت السيطرة بالكامل فى اريتريا لخلية اديس واصحاب الفكر الاقصائى الى ان حقق  الشعب الارترى تحرير ترابه الوطني بالكامل.
هكذا مثلت مرحلة ما بعد الاستقلال، العصر الذهبي لكل اصحاب الفكر الاقصائى ومن معهم من كمبارس من المسميات المحمودة والمعبودة،وبدأ ينطلق صاروخ العصر الذهبي بسرعة خيالية الى ان اصطدم بمثلث بادمي الحدودي لان كتلوج نحن واهدافنا لم يستطيع التحكم فى صاروخ العصر الذهبي المتطور.
هكذا كل ما وصل الفكر الاقصائى ذروته من نشوة السلطة والتجبر بدأت تبد شروره وعيوبه الفاضحة مما  كان احد الاسباب التي ادت الى صراع داخل الحزب الحاكم على المستوى السياسي والاجتماعي والاقليمى،وكل هذه المكونات شعرت وتأكدت بأن ربان السفينة يقودها الى طريق مجهول،من هنا حدث زلزال داخل الفكر القومي الاقصائى المتشدد مما انعكس كل ذلك الى تغير المواقع والاماكن،اما الهزات الارتدادية احدثت كذلك تغير المواقع داخل مدرسة جبهة التحرير الاريترية .
ايام قعقعت السلاح فى الساحة الاريترية لم يفكر الكثير من النخب السياسية الاريترية بالهدوء والعقلانية لمستقبل البلاد لان العدو الظاهر كان واحد الا وهو العدو الاثيوبى،وعندما تحقق حلم الشعب بتحرير البلاد لم يرى احد بإعوجاج فكر النظام الحاكم الا من رحم ربه،اما بطانة السوء من اصحاب الفكر الاقصائى لم يدركوا خطورة الرجل على فكرهم  الاقصائى وهم فى قمة السكر من  نشوة الانتصار،الا ان الوقت كان كفيل لازالت العمى عن الابصار شيئا فشيئا وحرب بادمي ازالت العمى عن  كل شيئ حتى عن  البصيرة،من هنا بدأ العدد التنازلي للنظام ومن  بنى معه هذا الصرح الاقصائى ،وبتالى تخلى الكثير من اصحاب الفكر لاقصائ فى الداخل والخارج عن النظام الحاكم فى أسمرا وهؤلاء يمكن تقسمهم الى عدد من  مجموعات:
-         مجموع إرتأت ان تهور النظام يهدد المشروع القومي برمته وبتالى يجب اعادت ترتيب الاوراق من خارج النظام للحيلولة دون انهيار المشروع القومي الاقصائى والمكتسبات التي تحققت مع انهيار النظام وزواله الذى اصبح شر لابد  منه من هنا تطرح هذه المجموعة وفروعها  { فلسفة التغير السلمي} ليس حبا للحل السلمي فى حد ذاته،لكن خوفا من ان يؤدى الحراك المسلحة من اعادة توازن القوى لصالح اصحاب الفكر الحقوقي .
-         مجموعة ادركت ان الفكر الاقصائى الذى كانوا جزءا منه يهدد مستقبل الوطن  بشكل شامل وبتالى منهم من تحول الى الفكر الوفاقي ومنهم من اعتزل العمل السياسي.
-         مجموعة  كان دورها فى الفلم دور الكمبارس من اجل الديكور الوطني وادركوا ذلك وبتالى ارادوا اعادت الكرامة الى انفسهم بالخروج  من هذا الدور الذى اضل الكثير من مجتمعاتهم وفيئتاهم الاجتماعية والاقليمية  لعقود من الزمان.
-         مجموعة انتهازية مصلحية تتحكم فى حركتها المصلحة الذاتية منهم من نشأ مع النظام الحاكم ومنهم من التحق اليه قبل وبعد الاستقلال تحت حجج واهية واغلبهم من اسماء مسلمة عند  ما فقدوا مصالحهم او خافوا على حياتهم هربوا من النظام وان كان اغلبهم مازال  يدور حول حمى  التنظيمات الاقصائية المحسوبة على قوى المعارضة الاريترية ظنا منهم ان هذه التنظيمات هي البديل القادم.

وجملة القول الان هناك سيناريوهات ثلاث فى مستقبل المشهد السياسي الارترى وهى :
1-    استمرار الوضع على ما هو عليه هذا ما يطمح اليه النظام الحاكم فى اسمرا
2-    تغير شكلي من خلال مشاركة بعض التنظيمات الاقصائية فى قوى المعارضة الاريترية فى نظام الحكم فى اسمرا بعد اجراء انتخابات شكلية يتم الاتفاق حولها ويتوقع بعض المحللين فى الشأن الارترى ان يبدا هذا السيناريو فى اواخر 2011 كنتيجة للمساعي السرية التي تقوم بها بعض الدوائر الخارجية وشروط نجاح  هذا السيناريو هو :
-         تغير السياسة الخارجية للنظام الحاكم فى اسمرا .
-         عدم تهديد مصالح قوى الكبرى فى المنطقة.
-         تحقيق السلام مع أثيوبيا.
والعمود الفقري للنجاح هذا المخطط ان تقتنع  اثيوبيا بمثل هذه الحلول الترقيعية التي يسعى لتحقيقيها اصحاب الفكر الاقصائى فى الخارج  بتنسيق مع النظام الحاكم فى اسمرا تحت رعاية بعض الدوائر الدولية ذات طابع مؤسسات مجتمع مدنى،ومؤتمر لندن للسلام الذى عقدته بعض المجموعات الاريترية فى شهر مايو المنصرم بدعم سخى من هذه الدوائر ليس ببعيد عن مثل هذه المشاريع.الا ان الموقف الاثيوبي الى الان يعتبر من المؤيدين والداعمين الاساسين لانعقاد ملتقى الحوار الوطني الارترى للتغير الديمقراطى،لعل هذا ما يزعج مخططات اصحاب الفكر الاقصائى ،فى الوقت الذى يجعل اصحاب الفكر الحقوقي والوفاقي امام مسؤولية تاريخية لانجاح هذا الملتقى للحيلولة دون انتكاس  التغير الديمقراطي الشامل فى اريتريا  الذى يلوح فى الافق،اما اذا فشل هذا الملتقى لا قدر الله ان دول الجوار الداعمة لهم قد تضطر لقبول السيناريو  الاخر الذ يسعى له اصحاب الفكر الاقصائى، لان العمل السياسي فى النهاية فن تحقيق الممكن.

3-    التغير الشامل  اي ازالت منهج  النظام الحاكم واقامة البديل الديمقراطي الذى تسعى له معظم قوى المعارضة الاريترية فى التحالف الديمقراطي الارترى وخارجه.
وأصحاب التغير الشامل يريدون عقد ملتقى الحوار الوطني كمقدمة  لوضع النقاط فوق الحروف لمستقبل ارتريا،وهم يتحركون بثقة اكثر من اي وقت مضى لوجود التأيد الشعبي العارم لهم.
اما اصحاب التغير السلمي او الاقصائى  لا ينظرون الى مثل هذا الملتقى بعين الرضى بإعتبار انهم لا يبحثون عن التغير الشامل بقدر ما يبحثون عن تأمين المكتسبات التي تحققت فى غفلة من الزمن،وبتالى مثل هذا المؤتمر قد يفسد عليهم كل المخططات او بعضها،وان كان تحركهم الان دون غطاء المشاعر القومية التي كثيرا ما إستندوا اليها من قبل،وان اصبح عقد هذا الملتقى واقع ملموس ولا يستبعد ان يتعاملوا معه من باب شر لابد منه وخاصة فى ظل ضغوطات دول الجوار الارترى،لذا لا يستبعد عودة المنسحبين من الملتقى،خاصة اذا ما توصل اصحاب الفكر الاقصائى فى الخارج مع من فى الداخل لحلول وسطية من باب الحرب  داخل الملتقى افضل من خارجه.
 الاحداث الاخيرة  فى مسألة انعقاد ملتقى الحوار الوطني الارترى للتغير الديمقراطي من عدمه يمكن قراءاتها فى هذا  السياق التاريخي لصراع الفكر السياسي الارترى والصورة تتضح أكثر كل ما حرك الرسام ريشته بشكل جيد على الوجوه.

مؤتمر الحوار الوطنى إلى أين فى ظل صراع الفكر السياسي الأرترى ؟ (1)


بقلم أحمد نقاش

تابعنا هذه الايام فى المواقع الاريترية احاديث كثيرة عن مؤتمر الحوار الوطني الاريتري لتغيير الديمقراطي المزمع عقده فى اواخر شهر يوليو القادم فى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا،فى ظل اهتمام جماهيري كبير وكذلك دول الجوار الارترى بهذا المؤتمر،خاصة الحكومة الاثيوبية التي كثفت جهودها فى الفترة الاخيرة من  أجل تقريب وجهات النظر لقوى المعارضة الارترية،فى حركة تشير الى  إستراتيجية جديدة للحكومة الاثيوبية فى تعاملها مع قوى المعارضة الاريترية ومظلته الجامعة (التحالف الديمقراطي الارترى) من هنا يمكن القول ان حكومة أديس ابابا يبدو نقلت ملف المعارضة الاريترية من زوايا الادراج الامنية الى رحاب الغرف السياسية،مما يؤكد هذا الموقف  الجديد الى ان الاحداث السياسية فى القرن الافريقي عامة وفى اريتريا على وجه الخصوص مقبلة على عهد جديد ايجابا او سلبا، من هنا تريد القيادة الاثيوبية ان تتحسب وتستعد لكل الاحتمالات لان الوضع الاثيوبي نفسه لا يتحمل صومال جديد فى حدوده الشمالي لذا يبدو الاستراتيجية الاثيوبية تريد ان تضع  النقاط على الحروف.
لكن هل الفكر السياسي الارترى الحالي قادر على إلتقاط هذه الاشارات الواضحة ومثل هذه الفرص الذهبية ومحاولة توظيفها بشكل يخدم قضية الشعب المقهور ؟ ام سيظل أسير للفكر القديم المتجدد؟
الا ان الجدل المثير الذى يدور هذه الايام بخصوص عقد مؤتمر الحوار الوطني لتغير الديمقراطي ،وخاصة بعد إعلان (حزب الشعب الديمقراطي الارترى) بعدم مشاركته فى هذه المائدة الوطنية يؤكد بكل وضوح ان الفكر السياسي الارترى لا زال يترنح فى ضلاله القديم،دون ان يفسح المجال لشعب الارترى ليقول كلمته دون وصية من احد.
ان ابناء اريتريا يحاولون منذ تأسيس (جمعية الحب الوطن) عام 1943 وكذلك منذ محاولة الجلوس على المائد المستديرة فى منطقة بيت قرقس فى اسمرا عام 1947 الى اليوم للجلوس على طاولة الحوار لمناقشة قضاياهم الوطنية بكل وضوح وشفافية،الا ان الرياح تأتى بما لا تشتهيه رغبات الشعب الحقيقية.صحيح ان هذا المؤتمر لن يكون هو الاخير وكما لن يستطيع حل كل مشاكل الوطن الارترى لان مشاكل هذا الوطن اكبر من ان تحل من خلال مؤتمر واحد يعقد هنا او هناك،- خاصة بعد الجراحات العميقة التي احدثها النظام الديكتاتور الطائفي على الوحدة الوطنية - الا ان  هذا المؤتمر يعتبر ضرورة مرحلية من اجل وضع الاسس لانتقال السلطة الى رحاب العدل والديمقراطية لتكتمل الامور وتنمو مع الممارسة فى صيرورة الزمن،اما  ما  اذا  كان هذا المؤتمر يمثل الشعب ام لا؟ اعتقد ان مسالة التمثيل لايمكن فهمها خارج السياق الزمان والمكان والظروف، فضلا عن ان الشرعية والتمثيل قضايا نسبية وفق المعطيات والمقاصد وليست غاية فى حد ذاتها، وعقد مؤتمر الحوار الوطني لتغير الديمقراطي فى ظل هذه الظروف الحرجة التي يمر بها الشعب الارترى فى الوقت الحالي يجب ان نتعامل  معها فى اطار نظرية فلسفية القائلة ( ما كان فى الامكان ابداع اكثر مما  كان ) الا ان  من سوء حظ هذا الشعب كل ما اراد عقلاء القوم من ابناء اريتريا لتحقيق الوفاق الوطني وتحديد الثوابت الوطنية، جاء شياطين الفكر السياسي الارترى الاقصائى لاجهاد مجهودات أصحاب الفكر السياسي الارترى الوفاقي.
لقد حاول البعض تفسير اسباب الخلاف حو ل هذا المؤتمر فى اطار الخلافات السياسية للتنظيمات الارترية،او فى اطار الخلافات حول الاشخاص،الا ان مثل هذه التفسيرات تقف عند الظواهر والاعراض دون الغوص فى أعماق وجوهر الخلافات الحقيقية.ولمعرفة حقائق الامور لابد لنا ان نحلل الخلفيات الاساسية للفكر السياسي الارترى وبنيته الاولى التي قام على أساسها،من هنا يمكن القول ان هذه الخلافات تعود بجذورها الى أعماق أزمة الفكر السياسي الارترى منذ نشأته الاولى  فى اربعينيات القرن الماضى،ولم يستطيع هذا الفكر الى يومنا هذا تجاوز أمراضه المزمنة، ذلك  لغياب الدولة الوطنية الحقيقية الى اليوم،فضلا ان القوى الاستعمارية التي حكمت البلاد لم تحاول خلق مفهوم الوطن الواحد فى مشاعره ورؤيته لابناء الوطن الارترى،بل حافظ المستعمر لشئ فى نفس يعقوب على المفاهيم الاجتماعية والادارات الاهلية والحدود العرفية لمناطق البلاد. وبالتالي ظل ابناء اريتريا لعهود  طويلة فى ظل الحدود العرفية والاجتماعية المتعارف عليها بين المجتمع الارترى الذى كان يدين بولائه لدولة القبيلة التي كانت توفر له الحماية فى ظل غياب الدولة الوطنية،حتى المسلمين والمسيحين فى المرتفعات الاريترية كانوا يعيشون فى ظل توازن وإحترام وحدود معترف بها من الطرفين،وان كانت لا تخلو من بعض شوائب الزمن وتصادم المصالح من وقت لاخر.
اما من الناحية الثقافية كانت لابناء اريتريا ومازالت ثقافتين بارزتين: ثقافة تنطلق من الخلفية المسيحية الارتدوكسية عاصمتها الكنيسة ولغتها التغرينية،واخرى تنطلق من الخلفية الاسلامية عاصمتها المسجد ولغتها العربية.
هذا الواقع قديما لم يخلق ما يسمى صراع السلطة او صراع الثقافات، لعدد من الاسباب الموضوعية :
1-    لغياب مشروع الدولة الوطنية فى ظل الاحتلال.
2-    إلتزام كل الاطراف بالقوانين العرفية والاجتماعية
3-    وجود توازن القوى والاحترام المتبادل
4-    معرفت كل طرف ماهيته وهوية الاخر
5-    غياب اطماع دول الجوار من الناحية العملية فى تلك المرحلة للوجود قوى استعمارية قارية على ارض الواقع.
عقب الحرب العالمية الثانية واحتلال بريطاني لاريتريا واقرار دول الحلفاء المنتصرة حق تقرير المصير للمستعمرات الايطاليا فى افريقيا بدأ حراك المجتمع الارترى لاول مرة على شكل احزاب سياسية وظهرت معه ملامح مشروع الدولة الوطنية من ناحية واطماع اثيوبيا من ناحية اخرى،ومصالح الدول الكبرى من  الناحية الثالثة.
وهذا الحراك السياسي الارترى يمكن تقسيمه من الناحية الفكرية الى ثلاث خطوط رئيسية والتي نشاهد  تأثيرها فى الفكر السياسي الارترى الى يومنا هذا مهما تغيرت الالوان ومسمياتها وهى:
1-    الفكر السياسي الاقصائى
2-    الفكر السياسي الحقوقي
3-    الفكر السياسي الوفاقي

اذا شاء الله نواصل فى الحلقة القادمة الحديث عن هذه الخطوط الثلاثة وعلاقتها بالخلاف السياسي الحالي  حول مؤتمر الحوار الوطني

ahmednagash@yahoo.com

أريتريا بين زوال النظام والبحث عن البديل



بقلم: أحمد نقاش
 النظام الحاكم فى أسمرا ينزلق يوم بعد يوم الى نهاية مجهولة بل يفقد توازنه أكثر من أي وقت مضى لدرجة ان كثير من المؤسسات الدولية اصبحت تعبر عن مخاوفها من الانهيار المفاجئ للوضع فى اسمرا.
وقد تحدث تقرير {مجموعة الازمات الدولية } فى الفترة الاخيرة بأن الدولة الأريترية تكاد تدخل مرحلة الانهيار وقد تصبح ضمن الدولة الفاشلة فى القرن الافريقي مما يعقد هذا الفشل الوضع الامني المفقود اصلا فى القرن الافريقي،والانباء القادمة والمنقولة من داخل اريتريا تتفق مع ما ذهب اليه تقرير {مجموعة الازمات الدولية}.
ورأس النظام فى أسمرا أضحى يعتمد على تناقضات مراكز القوى فى بقائه على السلطة،والتى ساهم بنفسه فى إيجاد هذه المراكز  للجنرالات الجيش ومناطقها الستة المعروفة  فى البلاد لهذا القرض على وجه التحديد،والاعتماد على تناقضات مؤسسات  الدولة لدليل واضح على ضعف القبضة الحديدية الفردية كما  كان فى السابق،وهذا بدوره يوحى على  تخلخل مكونات الدولة القومية الاقصائية التي أسست على منهج {نحن وأهدافنا }..... "... وتلك  الآيام نداولها بين الناس ... "
مظاهر هذا الانحلال للنظام الطائفي تفشت فى كل مقومات الدولة بل تجاوزت هده المهددات الى الكيان الوطني بأسره :
1-     الانهيار القانوني :
من المعلوم ان النظام قام على اساس ما يسمى الشرعية الثورية التي من المفترض ان تنتهى فى اسواء الاحوال  مع بذوق فجر الاستقلال،لكن ما حدث هو تكريس لهذه الشرعية المعاقة،ومحاولة إسنادها بالحروب المفتعلة من وقت لاخر مع دول الجوار الارترى،لان هذا الحزب  الذى قام من اجل رسالة قومية هالكة لا يستطيع ان يطرح نفسة لتنافس الحر على مستوى الوطن،لان الاساس الذى قام عليه هو أساس باطل..وما  تم بناءه  على باطل فهو باطل دون ادنى شك.. هكذا اعتلا السلطة على أساس قانون انتهت صلاحيته،ومع الوقت انهار كل مظهر من  مظاهر القانون واصبحت الدولة من غير  قانون ولا دستور وبالتالي تحول نظام الحكم فى البلاد الى نظام الغابة .. القوى فيه يأكل الضعيف.. والنصوص القانونية اضحت عبارة عن خواطر تخطر على بال الجنرالات لإهلاك أولى الألباب ولتخويف الضعاف من اهل البلاد،هكذا انهارت كل مظاهر القانون فى البلاد.

2-     الإنهيار الاقتصادي :
إقتصاد  اي دولة فى العالم يقوم على فلسفة محددة ترتكز عليها وعلى رؤية واضحة المعالم تنطلق فى رحابها،هذا ما تعارف عليه البشرى فى ادارة شؤون الاقتصاد ومعايش الناس فى الاوطان.
اما إقتصاد الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا أيام الكفاح المسلحة قيل  للعالم  أجمع انه إشتراكي دون إشراك الشعب فى منافع المدخولات ومغانم النضال،ثم قيل  للعام فى عهد الدولة المزعومة إنه نظام إقتصاد الحر دون حرية تذكر لاهل البلاد فى كسب معايشهم،هكذا  لم تكن لهذا الاقتصاد منذ نشأته لا فلسفة ولا رؤية وفق المفهوم العالمي للنظريات الاقتصادية.
بل قام اقتصاد النظام على التأميم الشامل لكل ممتلكات  الشعب حتى وصل التأميم الى الأبناء من اجل تشغيلهم فى مشارع جنرالات النظام دون اي مقابل تحت مسمي {الخدمة الوطنية} ظلما وبهتان لترسم لنا بذلك لوحة عبودية جديدة لشعب بكامله فى مقاطعة أسمها {دولة أريتريا}.وهكذا يمكن القول إن إقتصاد نظام أسمرا قام على :
-         سرقت قوت الشعب وإستعباده
-         غسيل الاموال فى الداخل والخارج
-         الضرائب الاجبارية على أبناء الجالية الاريترية فى الخارج حتى الحاملون لجنسيات  الدول  الاخرى عبر وسائل الابتزاز  المخالفة للقوانين الدولية .
-         الحفلات والمهرجانات،التى يقيمها زبانية النظام فى الخارج وما  اصطلح عليه أخيرا {بمهرجانات التسول}
-         التطفل على إقتصاد الدول المجاورة كما  حدث مع المنتج النقدي الاثيوبي {بن} ماقبل  حرب بادمي والتي يقال انها  كانت  من احد أسباب الحرب المجنونة.
وعندما اضحت كل هذه المصادر الغير مشروعة مكشوفة  لابناء الشعب الارترى فى الداخل و الخارج  وللعالم أجمع بدأت تنحصر رويدا رويدا وكثير  من  أبناء اريتريا  فى الخارج أمسكوا أيدهم عن العطاء إلا المضطرون { فمن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } فضلا عن قرار الحذر من مجلس الامن رقم 1907 كل هذه الامور شكلت على النظام الهاجس الاكبر،بل اصبح اقتصاد الدولة فى حكم الانهيار التام وفق المقايس العالمية لمفهوم إقتصاد الدولة.

3-     الانهيار والتخلخل السكاني  للوطن :
من المعلوم إن الاوطان تبقى  قوية  وصامدة ببقاء وصمود ساكنها على ظهرها،لان المواطن هو الذى يدافع عن الوطن عند اللزوم وهو الذى يدفع عنها الشر "ولو لا دفع الله  الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض " وقديما ادرك امبراطور اثيوبيا {هيلي سلاسي} أهمية السكان فى الدفاع عن الوطن عند ما قال " نحن نريد ارض اريتريا وليس شعبها.." وما عجز عن تحقيقه امبراطور أثيوبيا بآلته العسكرية يكاد يتحقق اليوم على ايدي من زعم على انهم أبناء جلدتنا أي " النظام الحاكم وزبانيته" ذلك بإفراغ اريتريا  من ساكنها وهكذا اصبحت ظاهرة الهروب وخاصة فبيئة الشباب ظاهرة يومية،وتشير كل الاحصائيات الدولية والاقليمية ومؤسسات شؤون اللاجئين بإستقبال اعداد هائلة يوميا من اللاجئين فى معسكراتها خاصة فى كل من السودان وأثيوبيا ومنها الى ارض الله  الواسعة،ولا بقاء فى اريتريا إلا لمن عجزة عن كل الحيل فى الخروج منها.وهذا الفراغ السكاني اصبح يهدد مستقبل الوطن ككل وليس النظام فحسب.وأما مستقبل النظام فحدث ولا حرج والحديث اليوم ليس حول بقاء النظام لان النظام قد استوفى شروط زواله،ولكن الحديث اليوم هو حول البديل الذى يفترض ان يملئ فراغ السلطة فى البلاد حتى لا يكون هناك صومال جديد فى المنطقة.

4-البحث عن البديل :
كان من المفترض ان تكون قوى المعارضة الاريترية هي البديل المناسب لملئ الفراغ ،الا ان المتتبع لاحوالها يفتقد فيها هذه الخاصية لأسباب ذاتية وموضوعية ..
الأسباب الذاتية  يمكن ان نجملها فى :
-         ان الخطاب السياسي للمعارضة لم يستطيع تجاوز مرحلة سبعينيات القرن المنصرم .
-         القيادة التاريخية والحرس القديم لم يستطيع نقل السلطة الى الجيل الجديد لانه لم يخطط لذلك ابدا.
-         عجز قيادة المعارضة عن توظيف الفرص وإستغلال تناقضات المصالح الدولية فى الوقت المناسب.
الأسباب الموضوعية :
-         ضعف المعارضة يرجع  جزئيا الى ضعف  الوعي السياسي لدى الشعب وانصرافه الى الحلول الفردية فى قضايا من المفترض ان تعالج  بتكاتف الجماعى،وعزوف ابناء أريتريا عن العمل السياسي ادى الى شلل العمل المعارض.
-         ضعف دول الجوار الارترى وخاصة الدول العربية التي من المفترض ان تلعب دور إيجابي لمساعدات الشعب الارترى فى الخروج  من أزمته بإعتبار ان الشعب الارترى ينظر إليه تاريخيا من قبل الدول الغربية على انه يصب فى مصلحة  الاستراتيجية العربية التي لا توجد أصلا فى الواقع  العربي اليوم.

وجملة القول إن الساحة السياسية الأريترية عليها ان تبحث عن  البديل والبدائل فى آليات العمل السياسي الارترى قبل فوات الأوان وإنهيار الوضع فى أريتريا .